❞ كتاب كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف ❝  ⏤ يوسف القرضاوي

❞ كتاب كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف ❝ ⏤ يوسف القرضاوي

مقدمة

هذا هو الجزء الخامس من هذه السلسلة المباركة «نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام» التي تعالج قضايا فكرية متنوعة، أصولية وفقهية، وعقدية وعملية، مما يمكن أن يلتبس فيها السبيل، ويكثر القال والقيل، ويختلف الناس ما بين ميمنة وميسرة، وما بين مشرّقين ومغرّبين.

ونحن في هذه السلسلة ندندن حول كلمات قوية مركزة للإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه، سمَّاها «الأصول العشرين» وصاغها صياغة تتميز بالحكمة والاعتدال والرفق، وحرص فيها على أن يجمع ولا يفرق، وأن يقرب ولا يباعد بين أهل القبلة، وأبناء الملة.

وقد اقترح عليَّ بعض الأصدقاء المخلصين من أهل العلم: أن أفْصِلَ هذه الكتب عن «الأصول العشرين»؛ لأن كثيرًا من الناس سيتصورنها كتبًا خاصة للإخوان المسلمين، وهم وحدهم الذين يقرأونها، وقال هذا الصديق: مع أني تابعت الأجزاء الأربعة التي صدرت منها، فوجدت ما فيها من علم وتأصيل وفكر أصيل يحتاج إليه أبناء الأمة جميعًا، سواء كانوا من الإخوان أم من غيرهم.

وقال هؤلاء الإخوة: إن اعتبار هذه السلسلة شرحًا للأصول العشرين ظلم لها، فهي تشرح السطرين أو الثلاثة من كلام البنا بكتاب كامل، وما العلاقة بين الكتاب وبين الأصل الذي يتحدث حوله إلا كالعلاقة بين النواة والنخلة!

وأود أن أقول لهؤلاء الإخوة الفضلاء: إن عنوان هذه السلسلة يدل عليها، ويعرف بهدفها، فقد توجهت بها لكل العاملين في ساحة الدعوة الإسلامية، والعمل الإسلامي من علماء ودعاة وجمعيات وجامعات ومؤسسات، فقد شغلني هَمُّ الدعوة والدعاة، وهَمُّ الدين وتجديده، وهم الأمة وتغييرها من داخلها، وهمّ أعداء الأمة الذين يحاولون تعويق مسيرتها، وتمزيق وحدتها، وغفلة كثير من العاملين للإسلام عن كيد هؤلاء.

لقد أردت بهذه السلسلة أن أخاطب كل الغيورين على الإسلام، وكل المهتمين بشأن أمته، وإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، مجتهدًا أن أزيل الجفوة بينهم، وأن أردم الفجوة التي تفصل بعضهم عن بعض، وأن أغرس الحُبَّ والتسامح في قلوبهم بدل البغضاء والتعصب، فإن البغضاء هي الحالقة، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.

وأنا أربأ بإخواني المعنيين من أهل العلم والدعوة: أن يعتبروا هذه الكتب للإخوان وحدهم، فما قصدت إلى هذا ولا أردته، بل الواقع أن حسن البنا قبل أن يكتب هذه الأصول للإخوان، كان قد تقدم بها لاتحاد الجمعيات الدينية في مصر، التي وقع بينها من الخلاف والتجافي والتنادي إلى حد التراشق بتهم بالتفيسق والتكفير. فأراد بأصوله هذه أن تمثل الحد الأدنى الذي يجب أن يلتقي عليه كل من يعمل لنصرة الإسلام.

وفي هذه الأصول الأربعة التي تحدثنا حولها هنا، تعرضنا لقضايا في غاية الأهمية والخطر:

1- مثل قضية تراث السلف وموقفنا منه، وكيف نقومه بميزان الكتاب والسنة.

2- ومثل قضية التمذهب والتلقيد بين الموجبين له، حتى على أهل العلم، والمحرمين له حتى على العوام والأميين من العرب والعجم!

3- ومثل قضية الاختلاف الفقهي، وهل يؤدي إلى التفرق الديني؟ وكيف نضبط هذا الاختلاف بالضوابط الشرعية العلمية، بحيث نؤسس ركائز لفقه الاختلاف، حتى يكون اختلاف تنوع وثراء، لا اختلاف صراع وتضاد.

4- مثل قضية الجدل «البيزنطي» في فرعيات الدين التي لا ينبني عليها عمل، والتي تأكل الأوقات، وتنشئ الحزازات، وتفرق الجماعات.

ومن الناس من تضيق صدورهم بأي خلاف، مع أن من الخلاف ما هو ضرورة ورحمة وتوسعة للأمة، وما يكون ثروة حقوقية وفقهية لها، وما يتيح لها فرصة للانتقاء والترجيح.

ومن الناس من يعتبر رأيه أو رأي جماعته هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، ورأي غيره هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب بحال، وقد ورثنا من السلف هذه الكلمة العادلة: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
يوسف القرضاوي - يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر.


❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱
من فكر إسلامي الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف

2001م - 1446هـ
مقدمة

هذا هو الجزء الخامس من هذه السلسلة المباركة «نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام» التي تعالج قضايا فكرية متنوعة، أصولية وفقهية، وعقدية وعملية، مما يمكن أن يلتبس فيها السبيل، ويكثر القال والقيل، ويختلف الناس ما بين ميمنة وميسرة، وما بين مشرّقين ومغرّبين.

ونحن في هذه السلسلة ندندن حول كلمات قوية مركزة للإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه، سمَّاها «الأصول العشرين» وصاغها صياغة تتميز بالحكمة والاعتدال والرفق، وحرص فيها على أن يجمع ولا يفرق، وأن يقرب ولا يباعد بين أهل القبلة، وأبناء الملة.

وقد اقترح عليَّ بعض الأصدقاء المخلصين من أهل العلم: أن أفْصِلَ هذه الكتب عن «الأصول العشرين»؛ لأن كثيرًا من الناس سيتصورنها كتبًا خاصة للإخوان المسلمين، وهم وحدهم الذين يقرأونها، وقال هذا الصديق: مع أني تابعت الأجزاء الأربعة التي صدرت منها، فوجدت ما فيها من علم وتأصيل وفكر أصيل يحتاج إليه أبناء الأمة جميعًا، سواء كانوا من الإخوان أم من غيرهم.

وقال هؤلاء الإخوة: إن اعتبار هذه السلسلة شرحًا للأصول العشرين ظلم لها، فهي تشرح السطرين أو الثلاثة من كلام البنا بكتاب كامل، وما العلاقة بين الكتاب وبين الأصل الذي يتحدث حوله إلا كالعلاقة بين النواة والنخلة!

وأود أن أقول لهؤلاء الإخوة الفضلاء: إن عنوان هذه السلسلة يدل عليها، ويعرف بهدفها، فقد توجهت بها لكل العاملين في ساحة الدعوة الإسلامية، والعمل الإسلامي من علماء ودعاة وجمعيات وجامعات ومؤسسات، فقد شغلني هَمُّ الدعوة والدعاة، وهَمُّ الدين وتجديده، وهم الأمة وتغييرها من داخلها، وهمّ أعداء الأمة الذين يحاولون تعويق مسيرتها، وتمزيق وحدتها، وغفلة كثير من العاملين للإسلام عن كيد هؤلاء.

لقد أردت بهذه السلسلة أن أخاطب كل الغيورين على الإسلام، وكل المهتمين بشأن أمته، وإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، مجتهدًا أن أزيل الجفوة بينهم، وأن أردم الفجوة التي تفصل بعضهم عن بعض، وأن أغرس الحُبَّ والتسامح في قلوبهم بدل البغضاء والتعصب، فإن البغضاء هي الحالقة، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.

وأنا أربأ بإخواني المعنيين من أهل العلم والدعوة: أن يعتبروا هذه الكتب للإخوان وحدهم، فما قصدت إلى هذا ولا أردته، بل الواقع أن حسن البنا قبل أن يكتب هذه الأصول للإخوان، كان قد تقدم بها لاتحاد الجمعيات الدينية في مصر، التي وقع بينها من الخلاف والتجافي والتنادي إلى حد التراشق بتهم بالتفيسق والتكفير. فأراد بأصوله هذه أن تمثل الحد الأدنى الذي يجب أن يلتقي عليه كل من يعمل لنصرة الإسلام.

وفي هذه الأصول الأربعة التي تحدثنا حولها هنا، تعرضنا لقضايا في غاية الأهمية والخطر:

1- مثل قضية تراث السلف وموقفنا منه، وكيف نقومه بميزان الكتاب والسنة.

2- ومثل قضية التمذهب والتلقيد بين الموجبين له، حتى على أهل العلم، والمحرمين له حتى على العوام والأميين من العرب والعجم!

3- ومثل قضية الاختلاف الفقهي، وهل يؤدي إلى التفرق الديني؟ وكيف نضبط هذا الاختلاف بالضوابط الشرعية العلمية، بحيث نؤسس ركائز لفقه الاختلاف، حتى يكون اختلاف تنوع وثراء، لا اختلاف صراع وتضاد.

4- مثل قضية الجدل «البيزنطي» في فرعيات الدين التي لا ينبني عليها عمل، والتي تأكل الأوقات، وتنشئ الحزازات، وتفرق الجماعات.

ومن الناس من تضيق صدورهم بأي خلاف، مع أن من الخلاف ما هو ضرورة ورحمة وتوسعة للأمة، وما يكون ثروة حقوقية وفقهية لها، وما يتيح لها فرصة للانتقاء والترجيح.

ومن الناس من يعتبر رأيه أو رأي جماعته هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، ورأي غيره هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب بحال، وقد ورثنا من السلف هذه الكلمة العادلة: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

مقدمة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تتنزل البركات، وبتوفيقه تتحقق الغايات، وبتيسيره تزول العقبات، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا، ومعلمنا الخير، وهادينا إلى الله، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد

فهذا هو الجزء الخامس من هذه السلسلة المباركة «نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام» التي تعالج قضايا فكرية متنوعة، أصولية وفقهية، وعقدية وعملية، مما يمكن أن يلتبس فيها السبيل، ويكثر القال والقيل، ويختلف الناس ما بين ميمنة وميسرة، وما بين مشرّقين ومغرّبين.

ونحن في هذه السلسلة ندندن حول كلمات قوية مركزة للإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه، سمَّاها «الأصول العشرين» وصاغها صياغة تتميز بالحكمة والاعتدال والرفق، وحرص فيها على أن يجمع ولا يفرق، وأن يقرب ولا يباعد بين أهل القبلة، وأبناء الملة.

وقد اقترح عليَّ بعض الأصدقاء المخلصين من أهل العلم: أن أفْصِلَ هذه الكتب عن «الأصول العشرين»؛ لأن كثيرًا من الناس سيتصورنها كتبًا خاصة للإخوان المسلمين، وهم وحدهم الذين يقرأونها، وقال هذا الصديق: مع أني تابعت الأجزاء الأربعة التي صدرت منها، فوجدت ما فيها من علم وتأصيل وفكر أصيل يحتاج إليه أبناء الأمة جميعًا، سواء كانوا من الإخوان أم من غيرهم.

وقال هؤلاء الإخوة: إن اعتبار هذه السلسلة شرحًا للأصول العشرين ظلم لها، فهي تشرح السطرين أو الثلاثة من كلام البنا بكتاب كامل، وما العلاقة بين الكتاب وبين الأصل الذي يتحدث حوله إلا كالعلاقة بين النواة والنخلة!

وأود أن أقول لهؤلاء الإخوة الفضلاء: إن عنوان هذه السلسلة يدل عليها، ويعرف بهدفها، فقد توجهت بها لكل العاملين في ساحة الدعوة الإسلامية، والعمل الإسلامي من علماء ودعاة وجمعيات وجامعات ومؤسسات، فقد شغلني هَمُّ الدعوة والدعاة، وهَمُّ الدين وتجديده، وهم الأمة وتغييرها من داخلها، وهمّ أعداء الأمة الذين يحاولون تعويق مسيرتها، وتمزيق وحدتها، وغفلة كثير من العاملين للإسلام عن كيد هؤلاء.

لقد أردت بهذه السلسلة أن أخاطب كل الغيورين على الإسلام، وكل المهتمين بشأن أمته، وإعلاء كلمته، وتحكيم شريعته، مجتهدًا أن أزيل الجفوة بينهم، وأن أردم الفجوة التي تفصل بعضهم عن بعض، وأن أغرس الحُبَّ والتسامح في قلوبهم بدل البغضاء والتعصب، فإن البغضاء هي الحالقة، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.

وأنا أربأ بإخواني المعنيين من أهل العلم والدعوة: أن يعتبروا هذه الكتب للإخوان وحدهم، فما قصدت إلى هذا ولا أردته، بل الواقع أن حسن البنا قبل أن يكتب هذه الأصول للإخوان، كان قد تقدم بها لاتحاد الجمعيات الدينية في مصر، التي وقع بينها من الخلاف والتجافي والتنادي إلى حد التراشق بتهم بالتفيسق والتكفير. فأراد بأصوله هذه أن تمثل الحد الأدنى الذي يجب أن يلتقي عليه كل من يعمل لنصرة الإسلام.

وفي هذه الأصول الأربعة التي تحدثنا حولها هنا، تعرضنا لقضايا في غاية الأهمية والخطر:

1- مثل قضية تراث السلف وموقفنا منه، وكيف نقومه بميزان الكتاب والسنة.

2- ومثل قضية التمذهب والتلقيد بين الموجبين له، حتى على أهل العلم، والمحرمين له حتى على العوام والأميين من العرب والعجم!

3- ومثل قضية الاختلاف الفقهي، وهل يؤدي إلى التفرق الديني؟ وكيف نضبط هذا الاختلاف بالضوابط الشرعية العلمية، بحيث نؤسس ركائز لفقه الاختلاف، حتى يكون اختلاف تنوع وثراء، لا اختلاف صراع وتضاد.

4- مثل قضية الجدل «البيزنطي» في فرعيات الدين التي لا ينبني عليها عمل، والتي تأكل الأوقات، وتنشئ الحزازات، وتفرق الجماعات.

ومن الناس من تضيق صدورهم بأي خلاف، مع أن من الخلاف ما هو ضرورة ورحمة وتوسعة للأمة، وما يكون ثروة حقوقية وفقهية لها، وما يتيح لها فرصة للانتقاء والترجيح.

ومن الناس من يعتبر رأيه أو رأي جماعته هو الصواب الذي لا يحتمل الخطأ، ورأي غيره هو الخطأ الذي لا يحتمل الصواب بحال، وقد ورثنا من السلف هذه الكلمة العادلة: رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.

بقيت هنا كلمة لا بد أن أقولها إحقاقًا للحق:

إذا كان تراث أسلافنا العظام - في مستواه البشري - خاضعًا للنقد، وليس في ذاته قداسة ولا عصمة، فإن منطق العقول المستقلة يقول: إن تراث الآخرين سواء كان في الغرب أم في الشرق، أحق بالخضوع للنقد والتقويم من تراثنا الذي يتميز بصلته بالدين، واستظلاله بالوحي، وهذا ما لا يجوز أن يختلف فيه اثنان من العقلاء.

وإذا كنا ننكر تقليد أسلافنا من فقهاء الأمة الكبار، وأئمتها العظام؛ لأنهم فكروا واجتهدوا وأبدعوا لزمانهم لا لزماننا، ولبيئاتهم لا لبيئاتنا، فنحن - ولا شك - أشد إنكارًا لتقليد آخر يشيع اليوم، ويراد له أن يهيمن على عقولنا، ويوجه حياتنا، وأن نخضع له أفكارنا وسلوكنا، ذلكم هو تقليد الغرب صاحب الحضارة المسيطرة على العالم بما فيها من نزعة مادية ظاهرة، ونزعة نفعية غالبة، وما تتضمنه في غالب مدارسها الفلسفية، وتطبيقاتها العملية، من احتقار للغيبيات، وإهمال للقيم الروحية والأخلاقية، وتشجيع للتحلل والإباحية، والتعامل بالمعايير المزدوجة، واعتبار الغرب هو سيد العالم، وأن حضارتهم أم الحضارات. لقد أثر الغرب فينا قديمًا عن طريق الاستعمار بأنواعه: السياسي والعسكري والاقتصادي والتشريعي والثقافي، واليوم يغزونا عن طريق ما سمَّوه «العولمة» وهي اسم جديد للاستعمار.

أقول: إن هذا التقليد الذي يراد فرضه علينا اليوم، لتحني رءوسنا لفكر الغرب وثقافته، وفلسفته وحضارته، والتخلي عن جذورنا الإيمانية والثقافية وهويتنا الحضارية، وخصائصنا الدينية والفكرية، لترتمي في أحضانه، وتذوب في حضارته، وتفنى فيها، كما عبر بعضهم من قديم - هذا التقليد مرفوض عندنا بلا نزاع؛ لأنه يمثل بالنسبة لنا اليوم اغترابًا، كما يمثل تقليد الأسلاف اغترابًا.

تقليد الأسلاف يعتبر اغترابًا في الزمان، وتقليد الغرب يعتبر اغترابًا في المكان. والواجب أن نعيش في زماننا ومكاننا، لا نغترب عن العصر، ولا نغترب عن الدار. نريد أن نفكر لأنفسنا بعقولنا لا بعقول غيرنا، لا نريد من أحد أن يفكر لنا، سواء كان من الأموات، الذين بيننا وبينهم قرون وقرون، أم من الأحياء الذين بيننا وبينهم بحار ووهاد.

على أن أسلافنا -وإن اغتربوا عنا زمانًا- هم أقرب إلينا فكرًا وشعورًا، فمنطلقاتهم منطلقاتنا، وغاياتهم غاياتنا، ومناهجهم مناهجنا، ولكنهم لم يحيوا حياتنا، ولم يعيشوا مشاكلنا، ولم يواجهوا تحدياتنا، ولم يعرفوا ما عرفنا في عصرنا. أما الغربيون فهم أكثر بعدًا منا؛ لأن منطلقاتهم ليست منطلقاتنا، وغاياتهم غير غاياتنا، ومناهجهم ليست مناهجنا، فتقليدنا لهم أشد نكرًا.

ورجائي من إخواني العاملين للإسلام -أيًّا كانت المدرسة التي ينتمون إليها- أن يقرأوا كتابي هذا بروح الأخوة الإسلامية، لا بروح العصبية الجاهلية، فما أنا إلا واحد منهم، يسرني ما يسرهم، ويسوءني ما يسوءهم، وما أردت والله إلا الخير لهم ولهذا الدين، ولا أدعي العصمة لما كتبت، ولا أزعم أني أعلم من أحد، فأنا لا أزال أطلب العلم، وسأظل أطلبه - بتوفيق الله تعالى - ما دامت لي عين تقرأ، وأذن تسمع، وعقل يعي، موقنًا بقول الله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا} [الإسراء: 85] وداعيًا الله جل شأنه بما أمر خاتم رسله أن يدعو به ربه حين قال: {وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا} [طه: 114].

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، واهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} [البقرة: 286].



سنة النشر : 2001م / 1422هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والاختلاف
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
يوسف القرضاوي - Yousef Al Qaradawi

كتب يوسف القرضاوي يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱. المزيد..

كتب يوسف القرضاوي
الناشر:
مكتبة وهبة
كتب  مكتبة وهبة في سنة 1946م أنشأ الحاج وهبة حسن وهبةـ مكتبة وهبة للطبع والنشر والتوزيع، وكانت عبارة عن محل صغير بشارع محمد علي (القلعة حاليًا) من جهة العتبة. ولما اعتقل لمدة أسبوع عام 1948م، وفي عام 1950م انتقل من المحل الصغير بشارع محمد علي إلى شارع الجمهورية بنفس الاسم ونفس المنهج... وتعرف في ذلك الوقت على الشيخ أبو الحسن الندوي ، الذي طبع له (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، وكتاب (مذكرات سائح في الشرق) وغيرها من الكتب، وتعرف أيضا على فضيلة الشيخ السيد سابق الذي طبع له كتاب (فقه السنة) بأجزائه الصغيرة. وخرج من السجن آخر عام 1960م ليجد المكتبة خاوية على عروشها، ليعيد نشاطه مرة أخرى من جديد، حيث كانت المكتبة طوال فترة سجنه كلأً مباحًا، ولم يتم نشر أي شيء خلال تلك الفترة. ثم زاول عمله مرة أخرى فترة ثم توالت المحن على المكتبة مع اعتقاله سنة 1965 حتى وفاة عبد الناصر. وبعد خروجه من السجن بعد وفاة عبد الناصر سنة 1971، بدأ الصراع مع السلطات لرفع الحراسة عنه وعن عائلته لمزاولة نشاطه مرة أخرى. ومن أقدار الله أن المبنى الذي كانت به المكتبة هدم أثناء فترة غيابه والاعتقال، وكان يشيد مبنى آخر مكانه، وكأنه كان على موعد حتى يظل اسم مكتبة وهبة كما هو، في نفس الموقع والمكان. ووافق صاحب العقار الجديد على استئجاره للمحل. ثم عاود النشاط مرة أخرى للطبع والنشر والتوزيع، بنفس الاسم، يؤدي رسالته التي بذل من أجلها الغالي والثمين. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأسرار الحكمة في تعددهن ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ الإسرائيليات في التفسير والحديث ❝ ❞ دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة ❝ ❞ التفسير والمفسرون / ج1 (ط. وهبة) ❝ ❞ أبو هريرة راوية الإسلام ❝ ❞ تاريخ التشريع الإسلامي (ط. وهبة) ❝ ❞ موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ❝ ❞ الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ يوسف القرضاوي ❝ ❞ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ❝ ❞ مناع القطان ❝ ❞ الطاهر أحمد مكي ❝ ❞ جمال الدين الشرقاوي ❝ ❞ محمد حسين الذهبي ❝ ❞ إبراهيم محمد حسن الجمل ❝ ❞ عطية صقر ❝ ❞ أحمد عمر هاشم ❝ ❞ أحمد عبدالوهاب ❝ ❞ زينب عبد العزيز ❝ ❞ بهاء الامير ❝ ❞ محمود حمدى زقزوق ❝ ❞ عبد العظيم المطعني ❝ ❞ محمد عجاج الخطيب ❝ ❞ د.محمد محمد أبو موسى ❝ ❞ سامح القلينى ❝ ❞ أحمد عبد الوهاب بكير ❝ ❞ اللواء أحمد عبد الوهاب ❝ ❞ علاء أبو بكر ❝ ❞ محمد الأمين الخضري ❝ ❞ توفيق محمد شاهين ❝ ❞ أبوزيد شلبي ❝ ❞ د. سامح القلينى ❝ ❞ سعيد عبد الحكيم زيد ❝ ❞ صبري الأشوح ❝ ❞ محمد شامة ❝ ❞ د. عبد المتعال محمد الجبري ❝ ❞ محمد ثابت الشاذلي ❝ ❞ د.سعد الدين مسعد هلالي ❝ ❞ د. عبد العظيم المطعني ❝ ❞ مؤمن الهباء ❝ ❞ الدكتور عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د. أمينة سليم ❝ ❞ د.عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني ❝ ❞ أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ عبد العظيم إبراهيم محمد المطعنى ❝ ❞ بكير بن سعيد أعوشت ❝ ❞ د. محمد الحسيني إسماعيل ❝ ❞ عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د.محمد عجاج خطيب ❝ ❞ د. أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ فولفجانج ليونهارد ❝ ❞ محمد البهي ❝ ❞ مصطفي أبو يوسف بدران أحمد عبدالوهاب ❝ ❱.المزيد.. كتب مكتبة وهبة