❞ كتاب إختلاق الميثولوجيا  ❝  ⏤ مارسيل ديتيان

❞ كتاب إختلاق الميثولوجيا ❝ ⏤ مارسيل ديتيان

من اختلق الميثولوجيا؟ وما هي حدود هذا الميدان المسكون بحكايات لا يطالها النسيان، وتبقى مقترنة بلذة روايتها وبالحرص على تفسيرها وتأويلها؟ وإذا كان صحيحاً أن كل قارئ في العالم يعتبر الأسطورة أسطورة بالفعل.

فما الذي يجعل علم الأساطير لا يزال عاجزاً عن التمييز، بدقةٍ بين قصةٍ وأسطورة؟

وعلى غرار سمكة ذائبة في مياه الميثولوجيا، فإن الأسطورة شكلٌ لا يمكن العثور عليه: فلا هي نوعٌ أدبي، ولا هي سرد ذو خصوصية. لكن الحديث عن الميثولوجيا كان ولا يزال، وبصورة مباشرة أو مواربة، يعني الحديث بالإغريقية أو انطلاقاً من بلاد الإغريق.

من هنا كانت ضرورة البحث في نسب الميثولوجيا، لكي نعيد التفكير فيها، كمادة معرفة، ومادة ثقافة أيضاً...

هذا الكتاب مترجم من عنوانه الفرنسي L'invention de la mythologie - يتناول ظاهرة الأساطير التي عرفتها المجتمعات البشرية في العصور القديمة ، و التي قد لا تزال بعض المجتمعات تعرف أشكالاً منها. و هو يتناول بشكل أساسي *الأساطير الإغريقية* كونها على ما يبدو الأقرب فكرياً و جغرافياً منه ، لا سيما أن الأساطير اليونانية نالت حظاً في الكثير من الدراسات اللاحقة و التأملات الفلسفية للمفكرين الغربيين و غيرهم. نذكر هنا كتاب *هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم؟* من تأليف بول فاين و الذي كان بحثاً متميزاً متألقاً في التساؤل عن حقيقة الأسطورة و هل كانت الأساطير تشكل معتقدات حقيقية يؤمن بها أصحابها أم لا. يمكنني أيضاً أن أحيل لكتاب *أصول الفكر الإغريقي* لجان بيير فيرنانت.

قراءة الكتاب تسلتزم إلماماً – و لو على وجه العموم – ببعض الأعمال الأساسية التي تركها الإغريق مثل *الأوديسة* و *الإلياذة* حتي يستطيع القارىء أن يكون على نفس الخط الذي يتحدث عنه الكاتب لدى مناقشته جوهر الأساطير و ماهيتها.

*الفكرة الرئيسية للكتاب*

الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب هو اختلاق الميثولوجيا / الأساطير و أنها مبتدعة لا أساس لها من الصحة. قد تبدو هذه الفكرة ليست جديدة تماماً فالكثير من المفكرين توصلوا لهذه النتيجة بل إن بعضهم كحال *بول فاين * على سبيل المثال يقولون أن الإغريق أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بأساطيرهم بل كانوا يقصونها و يستمعون لها على سبيل التسلية.

بيد أن إغلاق مسألة الأساطير عند هذا الحد و التوقف عند هذه النتيجة النهائية المحتمومة كما يبدو سيبخس البحث حقه و يبحث القضية مركزيتها في الفكر اليوناني و الفكر البشري عموماً ، فالأساطير – نعم ليست حقيقية – و لكنها بدون شك باب خصب للخيال البشري و للدراسات المتعلقة بالخيال و بفضاء هذا الخيال و بحدوده و على قدرته على تخطي هذه الحدود و قد تكون في وجهة نظري أيضاً مدخلاً للتأمل الابسيتمولوجي في ماهية المعرفة البشرية و بالخصوص المعرفة المستمدة من الخيال و الميتافيزيقيا.

الكتاب طبعاً لا يتوقف عند التسليم بهذه النتيجة بل يناقش أبعاداً مختلفة لظاهرة الأسطورة و للنزاعات الفكرية التي شكلتها في المجتمع الاغريقي نفسه تاريخياً بين مؤيد و معارض و ما خلقته تلك الظاهرة لاحقاً من تأملات فكرية بدأت في الظهور في القرون المتأخرة لاسيما القرن الثامن عشر – عصر الأنوار – و الذي عاد لدراسة الأسطورة من باب مختلف عن المدخل التقليدي.

سيتبع ذلك العصر تطوراً فكرياً ملحوظاً إزاء النظرة لظاهرة الأسطورة سيصل لحد إعتبارها رديف للعلم و المنطق.

نحن الآن في عصر منفتح تماماً فكرياً على ظاهرة الأسطورة الموغلة في القدم يتقبلها و يتأمل فيها و يعتبرها جزء لا يتجزأ من الطريق لاكتشاف الحضارة الإنسانية الأولى و فهمها ، فهي لم تعد مجرد خرافات و أوهام لا أساس لها من الصحة.


*هوميروس و هوزيدوس*

يعتبر هذين الإسمين أحد أبرز أعلام الأسطورة في العصر الإغريقي. هوميروس معروف بتركته الأسطورية الثقيلة التي ستطبع تاريخ الفكر و حتى العلم – كما في حال حصان طروادة الذي سيتحول لاسم فيروس مدمر في عصر التكنولوجيا – هو تروجان هورس-.

لقد امتلك هوميروس خيالاً خصباً مكنه من ترك ملحمة الإلياذة و هي حرب عظيمة تشاركت فيها الآلهة مع البشر و كانت بين كر و فر و انتصار لفريق ضد آخر و شهدت مصارع الأبطال العظام مثل أخيل و تدخل الالهة بقيادة زيوس مرة مع هيلاس و مرة أخرى مع طروادة حتى انتهت الحرب بمكيدة دبرها الهيلانيون و هي حصان طروادة الذي بسببه فتحت أبواب طروادة، لم يرق ذلك لنبتون – إله البحار لدى الاغريق – فهيج البحار ضد أساطيل الهيلانيين لدى عودتهم لوطنهم فغرق الكثيرون و ضاع الكثيرون و من ضمهم الأوديسيوس سيد القوم و سيخصص هوميروس أسطورة *الأوديسة* لذكر أخبار الأوديسوس من لدى ضياعه على سواحل طروادة حتى عودته لوطنه إيثاكا.

ستتضمن الأوديسة قصص مختلفة كحال قصص ألف ليلة و ليلة مليئة بالأحداث فوق البشرية و الخارقة للطبيعة.فيما سيترك لنا هزيديوس كتاب *أنساب الآلهة*.

لعل أبرز ما يمكن ذكره عن رواة الأسطورة هنا أنهم لم يكونوا شخصاً واحداً بل كان اسم علم لرواة الحكايات و يحمله كل من كان يروي القصص في الأكروبولس اليوناني أو غيره من البقع الجغرافية التي يتجمع فيها الناس و كذلك فإن نفس القصص ستكون قابلة للزيادة و النقصان حسب الخيال الشخصي لكل هوميروس و أعتقد أن الأثر سيكون واضحاً لدى معالجة الأوديسة التي سيتبين من بنية الأسطورة أنها مؤلفة من قبل أكثر من شخص واحد.

*رفض ثيوقيديس و كيزنافوس للأساطير و موقف أفلاطون *

لم يتأخر الزمن طويلاً حتى يأتي من ينتقد أساطير الاغريق فخرج منهم أنفسهم مفكرين متنورين هما ثيوقيديس و كيزنافوس و الذي بإمكاننا إعتبارهما صد أسس نفسه مقابل مد الفكر الأسطوري.

ثيوقيديس سيؤسس من نفسه كمؤرخ ( و يعتبر مؤلف الكتاب محاولته كمحاولة لتأسيس علم التاريخ في الزمن القديم) أرخ *حرب البيلوبونيز* الشهيرة و كتب وقائعها و التزم منهجاً تأريخياً حيادياً.

سيقوم هو و كيزينافوس بانتقاد الأسطورة و بتوجيه ضربة قوية للبنى التحتية التي ترتكز عليها واصفين إياها بالخرافات و الافتراءات التي لا يمكن تصديقها.
مارسيل ديتيان - كان مارسيل ديتين مؤرخًا بلجيكيًا ومتخصصًا في دراسة اليونان القديمة. كان أستاذاً في جامعة جونز هوبكنز ، حيث شغل كرسي باسل ل. جيلدرسليف في الأدب الكلاسيكي. سعت ديتين ، جنبًا إلى جنب مع جان-بيير فيرنان وبيير فيدال-ناكيه ، إلى تطبيق نهج أنثروبولوجي ، مستوحى من بنيوية كلود ليفي ستروس ، في اليونان الكلاسيكية والعصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ إختلاق الميثولوجيا ❝ الناشرين : ❞ مركز دراسات الوحدة العربية ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
إختلاق الميثولوجيا

2008م - 1446هـ
من اختلق الميثولوجيا؟ وما هي حدود هذا الميدان المسكون بحكايات لا يطالها النسيان، وتبقى مقترنة بلذة روايتها وبالحرص على تفسيرها وتأويلها؟ وإذا كان صحيحاً أن كل قارئ في العالم يعتبر الأسطورة أسطورة بالفعل.

فما الذي يجعل علم الأساطير لا يزال عاجزاً عن التمييز، بدقةٍ بين قصةٍ وأسطورة؟

وعلى غرار سمكة ذائبة في مياه الميثولوجيا، فإن الأسطورة شكلٌ لا يمكن العثور عليه: فلا هي نوعٌ أدبي، ولا هي سرد ذو خصوصية. لكن الحديث عن الميثولوجيا كان ولا يزال، وبصورة مباشرة أو مواربة، يعني الحديث بالإغريقية أو انطلاقاً من بلاد الإغريق.

من هنا كانت ضرورة البحث في نسب الميثولوجيا، لكي نعيد التفكير فيها، كمادة معرفة، ومادة ثقافة أيضاً...

هذا الكتاب مترجم من عنوانه الفرنسي L'invention de la mythologie - يتناول ظاهرة الأساطير التي عرفتها المجتمعات البشرية في العصور القديمة ، و التي قد لا تزال بعض المجتمعات تعرف أشكالاً منها. و هو يتناول بشكل أساسي *الأساطير الإغريقية* كونها على ما يبدو الأقرب فكرياً و جغرافياً منه ، لا سيما أن الأساطير اليونانية نالت حظاً في الكثير من الدراسات اللاحقة و التأملات الفلسفية للمفكرين الغربيين و غيرهم. نذكر هنا كتاب *هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم؟* من تأليف بول فاين و الذي كان بحثاً متميزاً متألقاً في التساؤل عن حقيقة الأسطورة و هل كانت الأساطير تشكل معتقدات حقيقية يؤمن بها أصحابها أم لا. يمكنني أيضاً أن أحيل لكتاب *أصول الفكر الإغريقي* لجان بيير فيرنانت.

قراءة الكتاب تسلتزم إلماماً – و لو على وجه العموم – ببعض الأعمال الأساسية التي تركها الإغريق مثل *الأوديسة* و *الإلياذة* حتي يستطيع القارىء أن يكون على نفس الخط الذي يتحدث عنه الكاتب لدى مناقشته جوهر الأساطير و ماهيتها.

*الفكرة الرئيسية للكتاب*

الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب هو اختلاق الميثولوجيا / الأساطير و أنها مبتدعة لا أساس لها من الصحة. قد تبدو هذه الفكرة ليست جديدة تماماً فالكثير من المفكرين توصلوا لهذه النتيجة بل إن بعضهم كحال *بول فاين * على سبيل المثال يقولون أن الإغريق أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بأساطيرهم بل كانوا يقصونها و يستمعون لها على سبيل التسلية.

بيد أن إغلاق مسألة الأساطير عند هذا الحد و التوقف عند هذه النتيجة النهائية المحتمومة كما يبدو سيبخس البحث حقه و يبحث القضية مركزيتها في الفكر اليوناني و الفكر البشري عموماً ، فالأساطير – نعم ليست حقيقية – و لكنها بدون شك باب خصب للخيال البشري و للدراسات المتعلقة بالخيال و بفضاء هذا الخيال و بحدوده و على قدرته على تخطي هذه الحدود و قد تكون في وجهة نظري أيضاً مدخلاً للتأمل الابسيتمولوجي في ماهية المعرفة البشرية و بالخصوص المعرفة المستمدة من الخيال و الميتافيزيقيا.

الكتاب طبعاً لا يتوقف عند التسليم بهذه النتيجة بل يناقش أبعاداً مختلفة لظاهرة الأسطورة و للنزاعات الفكرية التي شكلتها في المجتمع الاغريقي نفسه تاريخياً بين مؤيد و معارض و ما خلقته تلك الظاهرة لاحقاً من تأملات فكرية بدأت في الظهور في القرون المتأخرة لاسيما القرن الثامن عشر – عصر الأنوار – و الذي عاد لدراسة الأسطورة من باب مختلف عن المدخل التقليدي.

سيتبع ذلك العصر تطوراً فكرياً ملحوظاً إزاء النظرة لظاهرة الأسطورة سيصل لحد إعتبارها رديف للعلم و المنطق.

نحن الآن في عصر منفتح تماماً فكرياً على ظاهرة الأسطورة الموغلة في القدم يتقبلها و يتأمل فيها و يعتبرها جزء لا يتجزأ من الطريق لاكتشاف الحضارة الإنسانية الأولى و فهمها ، فهي لم تعد مجرد خرافات و أوهام لا أساس لها من الصحة.


*هوميروس و هوزيدوس*

يعتبر هذين الإسمين أحد أبرز أعلام الأسطورة في العصر الإغريقي. هوميروس معروف بتركته الأسطورية الثقيلة التي ستطبع تاريخ الفكر و حتى العلم – كما في حال حصان طروادة الذي سيتحول لاسم فيروس مدمر في عصر التكنولوجيا – هو تروجان هورس-.

لقد امتلك هوميروس خيالاً خصباً مكنه من ترك ملحمة الإلياذة و هي حرب عظيمة تشاركت فيها الآلهة مع البشر و كانت بين كر و فر و انتصار لفريق ضد آخر و شهدت مصارع الأبطال العظام مثل أخيل و تدخل الالهة بقيادة زيوس مرة مع هيلاس و مرة أخرى مع طروادة حتى انتهت الحرب بمكيدة دبرها الهيلانيون و هي حصان طروادة الذي بسببه فتحت أبواب طروادة، لم يرق ذلك لنبتون – إله البحار لدى الاغريق – فهيج البحار ضد أساطيل الهيلانيين لدى عودتهم لوطنهم فغرق الكثيرون و ضاع الكثيرون و من ضمهم الأوديسيوس سيد القوم و سيخصص هوميروس أسطورة *الأوديسة* لذكر أخبار الأوديسوس من لدى ضياعه على سواحل طروادة حتى عودته لوطنه إيثاكا.

ستتضمن الأوديسة قصص مختلفة كحال قصص ألف ليلة و ليلة مليئة بالأحداث فوق البشرية و الخارقة للطبيعة.فيما سيترك لنا هزيديوس كتاب *أنساب الآلهة*.

لعل أبرز ما يمكن ذكره عن رواة الأسطورة هنا أنهم لم يكونوا شخصاً واحداً بل كان اسم علم لرواة الحكايات و يحمله كل من كان يروي القصص في الأكروبولس اليوناني أو غيره من البقع الجغرافية التي يتجمع فيها الناس و كذلك فإن نفس القصص ستكون قابلة للزيادة و النقصان حسب الخيال الشخصي لكل هوميروس و أعتقد أن الأثر سيكون واضحاً لدى معالجة الأوديسة التي سيتبين من بنية الأسطورة أنها مؤلفة من قبل أكثر من شخص واحد.

*رفض ثيوقيديس و كيزنافوس للأساطير و موقف أفلاطون *

لم يتأخر الزمن طويلاً حتى يأتي من ينتقد أساطير الاغريق فخرج منهم أنفسهم مفكرين متنورين هما ثيوقيديس و كيزنافوس و الذي بإمكاننا إعتبارهما صد أسس نفسه مقابل مد الفكر الأسطوري.

ثيوقيديس سيؤسس من نفسه كمؤرخ ( و يعتبر مؤلف الكتاب محاولته كمحاولة لتأسيس علم التاريخ في الزمن القديم) أرخ *حرب البيلوبونيز* الشهيرة و كتب وقائعها و التزم منهجاً تأريخياً حيادياً.

سيقوم هو و كيزينافوس بانتقاد الأسطورة و بتوجيه ضربة قوية للبنى التحتية التي ترتكز عليها واصفين إياها بالخرافات و الافتراءات التي لا يمكن تصديقها. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

من اختلق الميثولوجيا؟ وما هي حدود هذا الميدان المسكون بحكايات لا يطالها النسيان، وتبقى مقترنة بلذة روايتها وبالحرص على تفسيرها وتأويلها؟ وإذا كان صحيحاً أن كل قارئ في العالم يعتبر الأسطورة أسطورة بالفعل. 

فما الذي يجعل علم الأساطير لا يزال عاجزاً عن التمييز، بدقةٍ بين قصةٍ وأسطورة؟

وعلى غرار سمكة ذائبة في مياه الميثولوجيا، فإن الأسطورة شكلٌ لا يمكن العثور عليه: فلا هي نوعٌ أدبي، ولا هي سرد ذو خصوصية. لكن الحديث عن الميثولوجيا كان ولا يزال، وبصورة مباشرة أو مواربة، يعني الحديث بالإغريقية أو انطلاقاً من بلاد الإغريق.

من هنا كانت ضرورة البحث في نسب الميثولوجيا، لكي نعيد التفكير فيها، كمادة معرفة، ومادة ثقافة أيضاً...

هذا الكتاب مترجم من عنوانه الفرنسي L'invention de la mythologie - يتناول ظاهرة الأساطير التي عرفتها المجتمعات البشرية في العصور القديمة ، و التي قد لا تزال بعض المجتمعات تعرف أشكالاً منها. و هو يتناول بشكل أساسي *الأساطير الإغريقية* كونها على ما يبدو الأقرب فكرياً و جغرافياً منه ، لا سيما أن الأساطير اليونانية نالت حظاً في الكثير من الدراسات اللاحقة و التأملات الفلسفية للمفكرين الغربيين و غيرهم. نذكر هنا كتاب *هل اعتقد الإغريق بأساطيرهم؟* من تأليف بول فاين و الذي كان بحثاً متميزاً متألقاً في التساؤل عن حقيقة الأسطورة و هل كانت الأساطير تشكل معتقدات حقيقية يؤمن بها أصحابها أم لا. يمكنني أيضاً أن أحيل لكتاب *أصول الفكر الإغريقي* لجان بيير فيرنانت.

قراءة الكتاب تسلتزم إلماماً – و لو على وجه العموم – ببعض الأعمال الأساسية التي تركها الإغريق مثل *الأوديسة* و *الإلياذة* حتي يستطيع القارىء أن يكون على نفس الخط الذي يتحدث عنه الكاتب لدى مناقشته جوهر الأساطير و ماهيتها.

*الفكرة الرئيسية للكتاب*

الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب هو اختلاق الميثولوجيا / الأساطير و أنها مبتدعة لا أساس لها من الصحة. قد تبدو هذه الفكرة ليست جديدة تماماً فالكثير من المفكرين توصلوا لهذه النتيجة بل إن بعضهم كحال *بول فاين * على سبيل المثال يقولون أن الإغريق أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بأساطيرهم بل كانوا يقصونها و يستمعون لها على سبيل التسلية.

بيد أن إغلاق مسألة الأساطير عند هذا الحد و التوقف عند هذه النتيجة النهائية المحتمومة كما يبدو سيبخس البحث حقه و يبحث القضية مركزيتها في الفكر اليوناني و الفكر البشري عموماً ، فالأساطير – نعم ليست حقيقية – و لكنها بدون شك باب خصب للخيال البشري و للدراسات المتعلقة بالخيال و بفضاء هذا الخيال و بحدوده و على قدرته على تخطي هذه الحدود و قد تكون في وجهة نظري أيضاً مدخلاً للتأمل الابسيتمولوجي في ماهية المعرفة البشرية و بالخصوص المعرفة المستمدة من الخيال و الميتافيزيقيا.

الكتاب طبعاً لا يتوقف عند التسليم بهذه النتيجة بل يناقش أبعاداً مختلفة لظاهرة الأسطورة و للنزاعات الفكرية التي شكلتها في المجتمع الاغريقي نفسه تاريخياً بين مؤيد و معارض و ما خلقته تلك الظاهرة لاحقاً من تأملات فكرية بدأت في الظهور في القرون المتأخرة لاسيما القرن الثامن عشر – عصر الأنوار – و الذي عاد لدراسة الأسطورة من باب مختلف عن المدخل التقليدي.

سيتبع ذلك العصر تطوراً فكرياً ملحوظاً إزاء النظرة لظاهرة الأسطورة سيصل لحد إعتبارها رديف للعلم و المنطق.

نحن الآن في عصر منفتح تماماً فكرياً على ظاهرة الأسطورة الموغلة في القدم يتقبلها و يتأمل فيها و يعتبرها جزء لا يتجزأ من الطريق لاكتشاف الحضارة الإنسانية الأولى و فهمها ، فهي لم تعد مجرد خرافات و أوهام لا أساس لها من الصحة.


*هوميروس و هوزيدوس*

يعتبر هذين الإسمين أحد أبرز أعلام الأسطورة في العصر الإغريقي. هوميروس معروف بتركته الأسطورية الثقيلة التي ستطبع تاريخ الفكر و حتى العلم – كما في حال حصان طروادة الذي سيتحول لاسم فيروس مدمر في عصر التكنولوجيا – هو تروجان هورس-.

لقد امتلك هوميروس خيالاً خصباً مكنه من ترك ملحمة الإلياذة و هي حرب عظيمة تشاركت فيها الآلهة مع البشر و كانت بين كر و فر و انتصار لفريق ضد آخر و شهدت مصارع الأبطال العظام مثل أخيل و تدخل الالهة بقيادة زيوس مرة مع هيلاس و مرة أخرى مع طروادة حتى انتهت الحرب بمكيدة دبرها الهيلانيون و هي حصان طروادة الذي بسببه فتحت أبواب طروادة، لم يرق ذلك لنبتون – إله البحار لدى الاغريق – فهيج البحار ضد أساطيل الهيلانيين لدى عودتهم لوطنهم فغرق الكثيرون و ضاع الكثيرون و من ضمهم الأوديسيوس سيد القوم و سيخصص هوميروس أسطورة *الأوديسة* لذكر أخبار الأوديسوس من لدى ضياعه على سواحل طروادة حتى عودته لوطنه إيثاكا.

ستتضمن الأوديسة قصص مختلفة كحال قصص ألف ليلة و ليلة مليئة بالأحداث فوق البشرية و الخارقة للطبيعة.فيما سيترك لنا هزيديوس كتاب *أنساب الآلهة*.

لعل أبرز ما يمكن ذكره عن رواة الأسطورة هنا أنهم لم يكونوا شخصاً واحداً بل كان اسم علم لرواة الحكايات و يحمله كل من كان يروي القصص في الأكروبولس اليوناني أو غيره من البقع الجغرافية التي يتجمع فيها الناس و كذلك فإن نفس القصص ستكون قابلة للزيادة و النقصان حسب الخيال الشخصي لكل هوميروس و أعتقد أن الأثر سيكون واضحاً لدى معالجة الأوديسة التي سيتبين من بنية الأسطورة أنها مؤلفة من قبل أكثر من شخص واحد.

*رفض ثيوقيديس و كيزنافوس للأساطير و موقف أفلاطون *

لم يتأخر الزمن طويلاً حتى يأتي من ينتقد أساطير الاغريق فخرج منهم أنفسهم مفكرين متنورين هما ثيوقيديس و كيزنافوس و الذي بإمكاننا إعتبارهما صد أسس نفسه مقابل مد الفكر الأسطوري.

ثيوقيديس سيؤسس من نفسه كمؤرخ ( و يعتبر مؤلف الكتاب محاولته كمحاولة لتأسيس علم التاريخ في الزمن القديم) أرخ *حرب البيلوبونيز* الشهيرة و كتب وقائعها و التزم منهجاً تأريخياً حيادياً.

سيقوم هو و كيزينافوس بانتقاد الأسطورة و بتوجيه ضربة قوية للبنى التحتية التي ترتكز عليها واصفين إياها بالخرافات و الافتراءات التي لا يمكن تصديقها.



سنة النشر : 2008م / 1429هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة إختلاق الميثولوجيا

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل إختلاق الميثولوجيا
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
مارسيل ديتيان - Marcel Detian

كتب مارسيل ديتيان كان مارسيل ديتين مؤرخًا بلجيكيًا ومتخصصًا في دراسة اليونان القديمة. كان أستاذاً في جامعة جونز هوبكنز ، حيث شغل كرسي باسل ل. جيلدرسليف في الأدب الكلاسيكي. سعت ديتين ، جنبًا إلى جنب مع جان-بيير فيرنان وبيير فيدال-ناكيه ، إلى تطبيق نهج أنثروبولوجي ، مستوحى من بنيوية كلود ليفي ستروس ، في اليونان الكلاسيكية والعصر.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ إختلاق الميثولوجيا ❝ الناشرين : ❞ مركز دراسات الوحدة العربية ❝ ❱. المزيد..

كتب مارسيل ديتيان
الناشر:
مركز دراسات الوحدة العربية
كتب مركز دراسات الوحدة العربية مركز دراسات الوحدة العربية هو مركز توثيقي يهتم بالقضايا العربية ويعرض الحلول لها عبر عقد الندوات والمؤتمرات والدراسات الخاصة المهتمة بالعرب والتحديات التي تواجههم، ويركز على الدراسات السياسية والاقتصادية والتنموية والتعليمية والفكرية والفلسفية. ويرأسه خير الدين حسيب ومقره بيروت. يعتمد المركز في تمويله على عائدات الكتب والمجلات والدراسات التي يقوم بإصدارها. يدار المركز بمدير عام تعينه اللجنة التنفيذية للمركز تنتخب كل أربع سنوات من قبل مجلس أمناء المركز. وتتولى السيدة لونا أبو سويرح مهام المديرة العامة للمركز منذ تعيينها في سبتمبر 2017 ويتولى رئاسة اللحنة التنفيذية الدكتور أحمد يوسف أحمد بعد استقالة خير الدين حسيب في نوفمبر 2017. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ تكوين العقل العربي ❝ ❞ لعراق من الاحتلال إلى التحرير ( طبعة موسعة من مستقبل العراق) ❝ ❞ مدخل لفهم اللسانيات ❝ ❞ الأجناس الأدبية ❝ ❞ دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها ❝ ❞ التاريخ الجديد ❝ ❞ الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة ❝ ❞ أن تكون عربيا في أيامنا ❝ ❞ التعبير عن العواطف عند الإنسان والحيوان ❝ ❞ الدين فى الديمقراطية ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ❝ ❞ محمد عابد الجابرى ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ محمد علي قطب ❝ ❞ فاضل الربيعي ❝ ❞ ابن رشد ❝ ❞ أبو الوليد ابن رشد ❝ ❞ د رشدي راشد ❝ ❞ تشارلز داروين ❝ ❞ د. عبد العزيز الدورى ❝ ❞ عزمي بشارة ❝ ❞ أحمد يوسف أحمد الأنصاري ❝ ❞ وليم نجيب نصار ❝ ❞ جاك لوغوف ❝ ❞ روبير مارتان ❝ ❞ عبد الإله بلقزيز ❝ ❞ برايان غرين ❝ ❞ يوسف خليفة اليوسف ❝ ❞ د. محمد رضوان خولي ❝ ❞ ديفيد هيوم ❝ ❞ جان بيار فردي ❝ ❞ خير الدين حسيب ❝ ❞ مارسيل غوشيه ❝ ❞ د. علي الدين هلال ❝ ❞ هنرى بوانكاريه ❝ ❞ بثينة شعبان ❝ ❞ إيف ستالوني ❝ ❞ هيثم غالب الناهي ❝ ❞ عبد الغني عماد ❝ ❞ عبد الغفار شكر ❝ ❞ بيار ماشيري ❝ ❞ فواز جرجس ❝ ❞ ماجد صالح السامرائي ❝ ❞ مايكل هاردت و أنطونيو نيغري ❝ ❞ م. ليديرمان ، كريستوفر ت. هيل ❝ ❞ د خلدون حسن النقيب ❝ ❞ د. غيداء خزنة كاتبى ❝ ❞ ميرتشيا إلياده ❝ ❞ مصطفى كمال طلبه ❝ ❞ حسين جميل ❝ ❞ دانيال تشاندلر ❝ ❞ جيفري بوول ❝ ❞ رؤوف سعد أبو جابر ❝ ❞ ألان سوبيو ❝ ❞ د. جورج صليبا ❝ ❞ نورمان فنكلستين ❝ ❞ عبدالحميد براهيمي ❝ ❞ مركز دراسات الوحدة العربية ❝ ❞ خطار بوسعيد ❝ ❞ خيرية قاسمية ❝ ❞ محمد الأخصاصي ❝ ❞ إبراهيم العريس ❝ ❞ كرستوفر هـ بايل ❝ ❞ عبد الحكيم أبو اللوز ❝ ❞ فواز عودة النعيمات ❝ ❞ د. هلال الجهاد ❝ ❞ شكراني الحسين ❝ ❞ جمال زهران ❝ ❞ أحمد زغلول شلاطة ❝ ❞ جورج كانغيلام ❝ ❞ عبد الرحمن حسن محمود ❝ ❞ أحمد حامد إبراهيم القضاة ❝ ❞ محمود عبد الفتاح عنبر ❝ ❞ د. عبد الله عبد المحسن السلطان ❝ ❞ محمد الدعمي ❝ ❞ الدكتور فالح حسين ❝ ❞ سينثياج واغنر ❝ ❞ أبو خلدون ساطع الحصري ❝ ❞ حلمي خليفة علي درادكه ❝ ❞ ألسدير ماكنتاير ❝ ❞ أبوسيف يوسف ❝ ❞ بينيلوب توسن ❝ ❞ آصف بيات ❝ ❞ مارسيل ديتيان ❝ ❞ جون م. كولر ❝ ❱.المزيد.. كتب مركز دراسات الوحدة العربية