❞ كتاب من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة) ❝  ⏤ علي بن مبارك

❞ كتاب من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة) ❝ ⏤ علي بن مبارك

الإسلام الفكري الإيراني والحداثة

يمكن ذكر خصائص «الإسلام الفكري» من خلال أقوال العلماء الإيرانيون أو «مبادئ توافق الإسلام والحداثة» على النحو التالي:

المبدأ الأول: بالمقارنة مع الإسلام الرسمي الذي كان «شكليًا»، فإن الإسلام الفكري هو «غائي»، ويعتقد أن جميع التعاليم والشعائر الدينية تخدم هدفًا سامًيا.

المبدأ الثاني: بالنسبة للإسلام الفكري فإن عبارة «لا يمكن للعقل البشري أن يفهم الحكم من كل أمر ديني» غير صائبة.

المبدأ الثالث: يرى المفكرون المسلمون إنه لا احترام لكرامة الإنسان دون احترام استقلالية الفرد واختياراته.

المبدأ الرابع: يتميز الإسلام الفكري عن الفكر العلماني في ثلاث حالات على الأقل:

أولاً، الأشخاص المتدينون بمن فيهم المفكرون الدينيون (مسلمون، مسيحيون أو يهود) يعيشون بإيمانياتهم في حياتهم الخاصة، ويؤمنون بالله وبالعالم الآخر، ويتبعون الأساليب الدينية في أخلاقهم وهم من المصلين لله، يؤمنون بالله ويطبقون أوامره.

ثانيًا، يلتزم المفكرون الدينيون بالأخلاق الدينية في المجال العام وخلال معاملاتهم مع الآخر. والأهم من ذلك، هو التزامهم العملي بالمعايير الدينية.

ثالثًا، يحاول المتدينون والمؤمنون احترام كرامة الإنسان وتطبيق العدالة وحسن الخلق خلال مشاركتهم في الحياة العامة.

علمنة الدين

كان لمحمد لإقبال تأثير كبير على الفكر الإيراني.
يعتقد عبد الكريم سروش أن العلمانية ليست أساسية للحداثة، بل إن حالة الحداثة في الغرب هي العلمانية. وفقًا لسروش، يمكن أن تكون العلمانية في مجالين: في العقل والمؤسسات الاجتماعية. لا يمكن للعقل العلماني أن يكون دينيًا. ومع ذلك، من الممكن التوفيق بين المؤسسات العلمانية والمجتمع المتدين. كما طرح فكرة «الحد الأدنى من العلمنة».

يُزعم أن سعيد حجاريان أظهر تفوق السياسة على أي قاعدة دينية عندما قال إن بقاء الجمهورية الإسلامية أمر بالغ الأهمية، وأنه لا ينبغي لأي شعيرة دينية أن تقف في طريقها. إن هذا النوع من القرار، يعني أن السياسة أهم من الدين وأن هذا يعترف بعلمنة الدين. في هذا السياق، يقول، أنه من الممكن إعادة تقييم ولاية الفقيه ورفض تفوقها في المجال السياسي في إيران.

باختصار، يقدم المفكرون الدينيون الإيرانيون أنواعًا مختلفة من العلمانية:

العلمانية السياسية
العلمانية الفلسفية
العلمانية الاجتماعية

يقبلون فقط «العلمانية السياسية» ويرفضون الاثنين الآخرين. وفقًا للباحثين الإيرانيين، فإن للعلمانية السياسية ركيزتان أساسيتان. إحداها مسألة الشرعية، والآخر هو حيادية النظام السياسي تجاه المدارس الدينية والتنظيرية. مضيفين أن شرعية النظام تتوقف على العدالة، وليس على الديانة أي كان نوعها، وأن قبول أي نظام يعود للشعب.

التعددية الدينية وفلسفة جلال الدين الرومي
قدم عبد الكريم سروش التعددية إلى الفلسفة الإيرانية المعاصرة. واللتي حصل فكرتها الأساسية من جلال الدين الرومي، الشاعر والفيلسوف الفارسي.

كما قال جون هيك، التعددية هي الإيمان بعدم احتكار دين واحد للحقيقة أو الحياة التي تؤدي إلى الخلاص. في الكلمات الشعرية للرجل الصوفي جلال الدين الرومي متحدثًا عن مختلف ديانات العالم، «تختلف المصابيح، لكن النور يبقى نفسه؛ يشع من بعيد» (الرومي: الشاعر والصوفي، العابرة. نيكلسون، لندن وبوسطن: أونوين، ص. 166).

يقدم جلال الدين الرومي إقتباسات متكررة من الفلاسفة اليونانيين من مدارس فكرية مختلفة بما في ذلك علماء الذرات. في العديد من قصائده، يشبه الله بنور الشمس الذي ينعكس على منظور الفكر البشري كشرائع دينية مختلفة. ربما يكون هذا الرمز هو أفضل مثال على وحدة الوجود التي تعتبر الله واحدًا وفي نفس الوقت تؤمن بتشريعاته المتعددة في العالم.

التسامح والفكر الديني الإيراني

حافظ الشيبرازي، الشاعر الإيراني الشهير من القرن الثامن / الرابع عشر قال في تعظيم التسامح: «يكمن السلام في الدنيا والآخرة في اثنين / الشهامة مع الأصدقاء، والتسامح مع الأعداء». كان حافظ يعلم جيدًا أنه في مجتمع ديني، فإن دعوة الناس لممارسة التسامح لن يكون لها أي تأثير أو تأسر القلوب ما لم تكن مصحوبة بنظرية ثاقبة عن الطبيعة البشرية والدين. هذا هو السبب في أنه حاول بذكاء في جميع أعماله استخدام لغة الشعر والإشارة لتوضيح نظرية من هذا النوع وإقناع جمهوره بأن توصيته لم تكن مجرد خواطر حسنة ولكن الشهامة والتسامح فلسفتيين ومفهومين سليمتين قائمتين على أسس متينة.

حتى أن حافظ استند إلى فكرة الحتمية المقلقة (القدر والإيمان بالقضاء والقدر) لتعزيز فكره الذي يميل إلى التسامح. يقول كلنا سجناء القدر. المسلم مسلم بحكم الجغرافيا والتاريخ، كما أن المسيحي هو مسيحي لنفس الأسباب.

قبل قرن من الزمان، صرح جلال الدين الرومي بأن كل واحد منا يحمل فقط جزءًا من الحقيقة ولا يملكها أحد كلها. هذا الاعتراف بنقص المعرفة يكفي لجعلنا أكثر تواضعًا، والصبر والتسامح ليسا سوى ثمرة من ثمار شجرة التواضع.

استعار المفكرون الدينيون الإيرانيون مفهوم «التسامح» من هؤلاء المفكرين الفارسيين وطوروه أكثر.

اشتغلنا في هذه الدراسة العلمية على التجربة الإيرانيّة وذلك لعدّة اعتبارات، فهذه التجربة تثير عدّة استفهامات، فعلى الرغم من كثرة البحوث والدّراسات التي تناولت التجربة الإصلاحيّة الإيرانية فإنّنا نعتقد أنّ فرص البحث مازالت قائمةً أمام تعدّد المداخل وتنوّع المقاربات وتغيّر المعطيات، وتثير مسألة علاقة الإصلاح الديّنيّ بالانتقال الديمقراطي في إيران اليوم عدّة قضايا تتعلّق أساسًا بمكانة الدّين والتديّن عند الإيرانيّ ومدى اقتناع الشعب الإيرانيّ اليوم بما تحقّق من مكاسب في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ المنظومة الفكرية والثقافية السائدة في إيران منذ العصور القديمة تقوم أساسًا على الاعتقاد والتديّن، وتدعّم هذا البعد العقدي في بناء العقل الفارسي مع حكم الصفويّين وانتشار الفكر الشيعيّ الإماميّ في إيران، وأصبح الدّين منذ ذلك العصر العمود الفقري لكلّ متطلّبات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة. وعلى الرغم من ظهور الفكر الليبرالي منذ القرن التاسع عشر بإيران وتبنّيه لمشروع إصلاحي فإنّه لم يستطع التحرر من الفكر الدّينيّ بل اعتمد رجال الدّين لنشر فكره الإصلاحي، ولنا في تجربة الثورة المشروطة خير مثال على ذلك فقد كانت حركة ليبرالية استوعبت علماء دين وجعلتهم في صدارة العمل التغييريّ الدّيمقراطيّ، فتبنّوا مشروع انتقال ديمقراطيّ شعاره "تقييد صلاحيّات الملك بالدستور" وتوفير حدّ أدنى من الحريات السياسيّة...
علي بن مبارك - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة) ❝ ❱
من فكر إسلامي الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة)

2020م - 1446هـ
الإسلام الفكري الإيراني والحداثة

يمكن ذكر خصائص «الإسلام الفكري» من خلال أقوال العلماء الإيرانيون أو «مبادئ توافق الإسلام والحداثة» على النحو التالي:

المبدأ الأول: بالمقارنة مع الإسلام الرسمي الذي كان «شكليًا»، فإن الإسلام الفكري هو «غائي»، ويعتقد أن جميع التعاليم والشعائر الدينية تخدم هدفًا سامًيا.

المبدأ الثاني: بالنسبة للإسلام الفكري فإن عبارة «لا يمكن للعقل البشري أن يفهم الحكم من كل أمر ديني» غير صائبة.

المبدأ الثالث: يرى المفكرون المسلمون إنه لا احترام لكرامة الإنسان دون احترام استقلالية الفرد واختياراته.

المبدأ الرابع: يتميز الإسلام الفكري عن الفكر العلماني في ثلاث حالات على الأقل:

أولاً، الأشخاص المتدينون بمن فيهم المفكرون الدينيون (مسلمون، مسيحيون أو يهود) يعيشون بإيمانياتهم في حياتهم الخاصة، ويؤمنون بالله وبالعالم الآخر، ويتبعون الأساليب الدينية في أخلاقهم وهم من المصلين لله، يؤمنون بالله ويطبقون أوامره.

ثانيًا، يلتزم المفكرون الدينيون بالأخلاق الدينية في المجال العام وخلال معاملاتهم مع الآخر. والأهم من ذلك، هو التزامهم العملي بالمعايير الدينية.

ثالثًا، يحاول المتدينون والمؤمنون احترام كرامة الإنسان وتطبيق العدالة وحسن الخلق خلال مشاركتهم في الحياة العامة.

علمنة الدين

كان لمحمد لإقبال تأثير كبير على الفكر الإيراني.
يعتقد عبد الكريم سروش أن العلمانية ليست أساسية للحداثة، بل إن حالة الحداثة في الغرب هي العلمانية. وفقًا لسروش، يمكن أن تكون العلمانية في مجالين: في العقل والمؤسسات الاجتماعية. لا يمكن للعقل العلماني أن يكون دينيًا. ومع ذلك، من الممكن التوفيق بين المؤسسات العلمانية والمجتمع المتدين. كما طرح فكرة «الحد الأدنى من العلمنة».

يُزعم أن سعيد حجاريان أظهر تفوق السياسة على أي قاعدة دينية عندما قال إن بقاء الجمهورية الإسلامية أمر بالغ الأهمية، وأنه لا ينبغي لأي شعيرة دينية أن تقف في طريقها. إن هذا النوع من القرار، يعني أن السياسة أهم من الدين وأن هذا يعترف بعلمنة الدين. في هذا السياق، يقول، أنه من الممكن إعادة تقييم ولاية الفقيه ورفض تفوقها في المجال السياسي في إيران.

باختصار، يقدم المفكرون الدينيون الإيرانيون أنواعًا مختلفة من العلمانية:

العلمانية السياسية
العلمانية الفلسفية
العلمانية الاجتماعية

يقبلون فقط «العلمانية السياسية» ويرفضون الاثنين الآخرين. وفقًا للباحثين الإيرانيين، فإن للعلمانية السياسية ركيزتان أساسيتان. إحداها مسألة الشرعية، والآخر هو حيادية النظام السياسي تجاه المدارس الدينية والتنظيرية. مضيفين أن شرعية النظام تتوقف على العدالة، وليس على الديانة أي كان نوعها، وأن قبول أي نظام يعود للشعب.

التعددية الدينية وفلسفة جلال الدين الرومي
قدم عبد الكريم سروش التعددية إلى الفلسفة الإيرانية المعاصرة. واللتي حصل فكرتها الأساسية من جلال الدين الرومي، الشاعر والفيلسوف الفارسي.

كما قال جون هيك، التعددية هي الإيمان بعدم احتكار دين واحد للحقيقة أو الحياة التي تؤدي إلى الخلاص. في الكلمات الشعرية للرجل الصوفي جلال الدين الرومي متحدثًا عن مختلف ديانات العالم، «تختلف المصابيح، لكن النور يبقى نفسه؛ يشع من بعيد» (الرومي: الشاعر والصوفي، العابرة. نيكلسون، لندن وبوسطن: أونوين، ص. 166).

يقدم جلال الدين الرومي إقتباسات متكررة من الفلاسفة اليونانيين من مدارس فكرية مختلفة بما في ذلك علماء الذرات. في العديد من قصائده، يشبه الله بنور الشمس الذي ينعكس على منظور الفكر البشري كشرائع دينية مختلفة. ربما يكون هذا الرمز هو أفضل مثال على وحدة الوجود التي تعتبر الله واحدًا وفي نفس الوقت تؤمن بتشريعاته المتعددة في العالم.

التسامح والفكر الديني الإيراني

حافظ الشيبرازي، الشاعر الإيراني الشهير من القرن الثامن / الرابع عشر قال في تعظيم التسامح: «يكمن السلام في الدنيا والآخرة في اثنين / الشهامة مع الأصدقاء، والتسامح مع الأعداء». كان حافظ يعلم جيدًا أنه في مجتمع ديني، فإن دعوة الناس لممارسة التسامح لن يكون لها أي تأثير أو تأسر القلوب ما لم تكن مصحوبة بنظرية ثاقبة عن الطبيعة البشرية والدين. هذا هو السبب في أنه حاول بذكاء في جميع أعماله استخدام لغة الشعر والإشارة لتوضيح نظرية من هذا النوع وإقناع جمهوره بأن توصيته لم تكن مجرد خواطر حسنة ولكن الشهامة والتسامح فلسفتيين ومفهومين سليمتين قائمتين على أسس متينة.

حتى أن حافظ استند إلى فكرة الحتمية المقلقة (القدر والإيمان بالقضاء والقدر) لتعزيز فكره الذي يميل إلى التسامح. يقول كلنا سجناء القدر. المسلم مسلم بحكم الجغرافيا والتاريخ، كما أن المسيحي هو مسيحي لنفس الأسباب.

قبل قرن من الزمان، صرح جلال الدين الرومي بأن كل واحد منا يحمل فقط جزءًا من الحقيقة ولا يملكها أحد كلها. هذا الاعتراف بنقص المعرفة يكفي لجعلنا أكثر تواضعًا، والصبر والتسامح ليسا سوى ثمرة من ثمار شجرة التواضع.

استعار المفكرون الدينيون الإيرانيون مفهوم «التسامح» من هؤلاء المفكرين الفارسيين وطوروه أكثر.

اشتغلنا في هذه الدراسة العلمية على التجربة الإيرانيّة وذلك لعدّة اعتبارات، فهذه التجربة تثير عدّة استفهامات، فعلى الرغم من كثرة البحوث والدّراسات التي تناولت التجربة الإصلاحيّة الإيرانية فإنّنا نعتقد أنّ فرص البحث مازالت قائمةً أمام تعدّد المداخل وتنوّع المقاربات وتغيّر المعطيات، وتثير مسألة علاقة الإصلاح الديّنيّ بالانتقال الديمقراطي في إيران اليوم عدّة قضايا تتعلّق أساسًا بمكانة الدّين والتديّن عند الإيرانيّ ومدى اقتناع الشعب الإيرانيّ اليوم بما تحقّق من مكاسب في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ المنظومة الفكرية والثقافية السائدة في إيران منذ العصور القديمة تقوم أساسًا على الاعتقاد والتديّن، وتدعّم هذا البعد العقدي في بناء العقل الفارسي مع حكم الصفويّين وانتشار الفكر الشيعيّ الإماميّ في إيران، وأصبح الدّين منذ ذلك العصر العمود الفقري لكلّ متطلّبات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة. وعلى الرغم من ظهور الفكر الليبرالي منذ القرن التاسع عشر بإيران وتبنّيه لمشروع إصلاحي فإنّه لم يستطع التحرر من الفكر الدّينيّ بل اعتمد رجال الدّين لنشر فكره الإصلاحي، ولنا في تجربة الثورة المشروطة خير مثال على ذلك فقد كانت حركة ليبرالية استوعبت علماء دين وجعلتهم في صدارة العمل التغييريّ الدّيمقراطيّ، فتبنّوا مشروع انتقال ديمقراطيّ شعاره "تقييد صلاحيّات الملك بالدستور" وتوفير حدّ أدنى من الحريات السياسيّة...

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الإسلام الفكري الإيراني والحداثة

يمكن ذكر خصائص «الإسلام الفكري» من خلال أقوال العلماء الإيرانيون أو «مبادئ توافق الإسلام والحداثة» على النحو التالي:

المبدأ الأول: بالمقارنة مع الإسلام الرسمي الذي كان «شكليًا»، فإن الإسلام الفكري هو «غائي»، ويعتقد أن جميع التعاليم والشعائر الدينية تخدم هدفًا سامًيا.

المبدأ الثاني: بالنسبة للإسلام الفكري فإن عبارة «لا يمكن للعقل البشري أن يفهم الحكم من كل أمر ديني» غير صائبة.

المبدأ الثالث: يرى المفكرون المسلمون إنه لا احترام لكرامة الإنسان دون احترام استقلالية الفرد واختياراته.

المبدأ الرابع: يتميز الإسلام الفكري عن الفكر العلماني في ثلاث حالات على الأقل:

أولاً، الأشخاص المتدينون بمن فيهم المفكرون الدينيون (مسلمون، مسيحيون أو يهود) يعيشون بإيمانياتهم في حياتهم الخاصة، ويؤمنون بالله وبالعالم الآخر، ويتبعون الأساليب الدينية في أخلاقهم وهم من المصلين لله، يؤمنون بالله ويطبقون أوامره.

ثانيًا، يلتزم المفكرون الدينيون بالأخلاق الدينية في المجال العام وخلال معاملاتهم مع الآخر. والأهم من ذلك، هو التزامهم العملي بالمعايير الدينية.

ثالثًا، يحاول المتدينون والمؤمنون احترام كرامة الإنسان وتطبيق العدالة وحسن الخلق خلال مشاركتهم في الحياة العامة.

علمنة الدين

كان لمحمد لإقبال تأثير كبير على الفكر الإيراني.
يعتقد عبد الكريم سروش أن العلمانية ليست أساسية للحداثة، بل إن حالة الحداثة في الغرب هي العلمانية. وفقًا لسروش، يمكن أن تكون العلمانية في مجالين: في العقل والمؤسسات الاجتماعية. لا يمكن للعقل العلماني أن يكون دينيًا. ومع ذلك، من الممكن التوفيق بين المؤسسات العلمانية والمجتمع المتدين. كما طرح فكرة «الحد الأدنى من العلمنة».

يُزعم أن سعيد حجاريان أظهر تفوق السياسة على أي قاعدة دينية عندما قال إن بقاء الجمهورية الإسلامية أمر بالغ الأهمية، وأنه لا ينبغي لأي شعيرة دينية أن تقف في طريقها. إن هذا النوع من القرار، يعني أن السياسة أهم من الدين وأن هذا يعترف بعلمنة الدين. في هذا السياق، يقول، أنه من الممكن إعادة تقييم ولاية الفقيه ورفض تفوقها في المجال السياسي في إيران.

باختصار، يقدم المفكرون الدينيون الإيرانيون أنواعًا مختلفة من العلمانية:

العلمانية السياسية
العلمانية الفلسفية
العلمانية الاجتماعية

يقبلون فقط «العلمانية السياسية» ويرفضون الاثنين الآخرين. وفقًا للباحثين الإيرانيين، فإن للعلمانية السياسية ركيزتان أساسيتان. إحداها مسألة الشرعية، والآخر هو حيادية النظام السياسي تجاه المدارس الدينية والتنظيرية. مضيفين أن شرعية النظام تتوقف على العدالة، وليس على الديانة أي كان نوعها، وأن قبول أي نظام يعود للشعب.

التعددية الدينية وفلسفة جلال الدين الرومي
قدم عبد الكريم سروش التعددية إلى الفلسفة الإيرانية المعاصرة. واللتي حصل فكرتها الأساسية من جلال الدين الرومي، الشاعر والفيلسوف الفارسي.

كما قال جون هيك، التعددية هي الإيمان بعدم احتكار دين واحد للحقيقة أو الحياة التي تؤدي إلى الخلاص. في الكلمات الشعرية للرجل الصوفي جلال الدين الرومي متحدثًا عن مختلف ديانات العالم، «تختلف المصابيح، لكن النور يبقى نفسه؛ يشع من بعيد» (الرومي: الشاعر والصوفي، العابرة. نيكلسون، لندن وبوسطن: أونوين، ص. 166).

يقدم جلال الدين الرومي إقتباسات متكررة من الفلاسفة اليونانيين من مدارس فكرية مختلفة بما في ذلك علماء الذرات. في العديد من قصائده، يشبه الله بنور الشمس الذي ينعكس على منظور الفكر البشري كشرائع دينية مختلفة. ربما يكون هذا الرمز هو أفضل مثال على وحدة الوجود التي تعتبر الله واحدًا وفي نفس الوقت تؤمن بتشريعاته المتعددة في العالم.

التسامح والفكر الديني الإيراني

حافظ الشيبرازي، الشاعر الإيراني الشهير من القرن الثامن / الرابع عشر قال في تعظيم التسامح: «يكمن السلام في الدنيا والآخرة في اثنين / الشهامة مع الأصدقاء، والتسامح مع الأعداء». كان حافظ يعلم جيدًا أنه في مجتمع ديني، فإن دعوة الناس لممارسة التسامح لن يكون لها أي تأثير أو تأسر القلوب ما لم تكن مصحوبة بنظرية ثاقبة عن الطبيعة البشرية والدين. هذا هو السبب في أنه حاول بذكاء في جميع أعماله استخدام لغة الشعر والإشارة لتوضيح نظرية من هذا النوع وإقناع جمهوره بأن توصيته لم تكن مجرد خواطر حسنة ولكن الشهامة والتسامح فلسفتيين ومفهومين سليمتين قائمتين على أسس متينة.

حتى أن حافظ استند إلى فكرة الحتمية المقلقة (القدر والإيمان بالقضاء والقدر) لتعزيز فكره الذي يميل إلى التسامح. يقول كلنا سجناء القدر. المسلم مسلم بحكم الجغرافيا والتاريخ، كما أن المسيحي هو مسيحي لنفس الأسباب.

قبل قرن من الزمان، صرح جلال الدين الرومي بأن كل واحد منا يحمل فقط جزءًا من الحقيقة ولا يملكها أحد كلها. هذا الاعتراف بنقص المعرفة يكفي لجعلنا أكثر تواضعًا، والصبر والتسامح ليسا سوى ثمرة من ثمار شجرة التواضع.

استعار المفكرون الدينيون الإيرانيون مفهوم «التسامح» من هؤلاء المفكرين الفارسيين وطوروه أكثر.

اشتغلنا في هذه الدراسة العلمية على التجربة الإيرانيّة وذلك لعدّة اعتبارات، فهذه التجربة تثير عدّة استفهامات، فعلى الرغم من كثرة البحوث والدّراسات التي تناولت التجربة الإصلاحيّة الإيرانية فإنّنا نعتقد أنّ فرص البحث مازالت قائمةً أمام تعدّد المداخل وتنوّع المقاربات وتغيّر المعطيات، وتثير مسألة علاقة الإصلاح الديّنيّ بالانتقال الديمقراطي في إيران اليوم عدّة قضايا تتعلّق أساسًا بمكانة الدّين والتديّن عند الإيرانيّ ومدى اقتناع الشعب الإيرانيّ اليوم بما تحقّق من مكاسب في مجال الحريات وحقوق الإنسان، ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ المنظومة الفكرية والثقافية السائدة في إيران منذ العصور القديمة تقوم أساسًا على الاعتقاد والتديّن، وتدعّم هذا البعد العقدي في بناء العقل الفارسي مع حكم الصفويّين وانتشار الفكر الشيعيّ الإماميّ في إيران، وأصبح الدّين منذ ذلك العصر العمود الفقري لكلّ متطلّبات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعيّة. وعلى الرغم من ظهور الفكر الليبرالي منذ القرن التاسع عشر بإيران وتبنّيه لمشروع إصلاحي فإنّه لم يستطع التحرر من الفكر الدّينيّ بل اعتمد رجال الدّين لنشر فكره الإصلاحي، ولنا في تجربة الثورة المشروطة خير مثال على ذلك فقد كانت حركة ليبرالية استوعبت علماء دين وجعلتهم في صدارة العمل التغييريّ الدّيمقراطيّ، فتبنّوا مشروع انتقال ديمقراطيّ شعاره "تقييد صلاحيّات الملك بالدستور" وتوفير حدّ أدنى من الحريات السياسيّة...



سنة النشر : 2020م / 1441هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة)

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة)
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
علي بن مبارك - Ali bin Mubarak

كتب علي بن مبارك ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ من قضايا الفكر الإصلاحي الإيراني في العصر الحديث (محكمة) ❝ ❱. المزيد..

كتب علي بن مبارك